رواية موسم الهجرة إلى الشمال واحدة من أفضل مائة رواية لاقت نجاح في القرن العشرين على مستوى الوطن العربي، ونالت استحسانا وقبولاً عالميا وحولت إلى فلم سينمائي. إجمالاً تتناول الرواية في مضمونها مسألة العلاقة بين الشرق والغرب. وتعد "موسم الهجرة إلى الشمال" من الاعمال العربية الأولى التي تناولت لقاء الثقافات وتفاعلها وصورة الاخر الغربي بعيون الشرقي والغربي بعيون الاخر الشرقي الذي ينظر إليه كشخص قادم من عالم رومانسي يسوده السحر ويكتنفه الغموض .
أسلوب الطيب صالح في رواية موسم الهجرة إلى الشمال يختلف كثيرا عن أسلوبه في بقية كتاباته, يشدك إلى القصة شدا ويقحمك في جو مخيف مربك, وأنت تحاول استكشاف ملامح شخصيات أبطال الرواية والغموض الذي يلف حكاياتهم.
الرواية تحمل رموزا عدة حاول من خلالها الطيب صالح إظهار التناقض في شخصية الفرد العربي وصراعه مع الآخر خصوصا الغرب, وحب الانتقام من هذا الواقع المزري الذي يعيشه العربي في مجتمعه الظالم الفقير بالانتقام من الفرد الغربي الذي كان لا يعرف عن العربي شيئا في ذلك الزمان, والتي كانت نظرته إلى الشرق مليئة بالرومانسية الحالمة.
رواية موسم الهجرة إلى الشمال تعالج العلاقة بين الشمال و الجنوب من منظور مختلف . مصطفى سعيد أحد تلك النخب ، لم يكن يعرف شيئا حتى ان يكتب إسمه . تماما كبقية أقرانه الذين كان رجل الشمال هو من يتحايل عليهم للإلتحاق بالمدارس موفرا لهم كل وسائل الدعم المادي و المعنوي ، و إذا أظهر أحدهم نبوغا مبكرا كان يتم تبنيه كليا بصدق و إخلاص و فتح أبواب النجاح أمامه . أما هذا " النابغة" فيذهب الى الشمال ليفرغ نهمه الجنسي مبررا ذلك بالانتقام من مستعمر الأمس ، يتلاعب بعواطف النساء هناك اللاتي لا يغريهن فيه سوى لون بشرته . يتلذذ بعذابهن و ربما بإنتحارهن . عاد مصطفى سعيد الى بلده لا ليوظِف شهاداته كنابغة في الإقتصاد بل ليهرب من تاريخه الأخلاقي الى قرية صغيرة قانعا ببدائية إقتصادها . حيث إضطره إخفاء تاريخه الأخلاقي الى إخفاء عبقريته الإقتصادية . و قبل أن يموت سلم عبء كل شيئ "للجيل" الثاني من النخب ممثلا في الراوي . إنه تاريخ مثقل غامض مليء بالتناقضات . جيل سكن داخل جيل بحلوه و مره حتى كأنه هو . هل يحرق هذا التاريخ كله و يبدأ من جديد ؟ أم يسلّم نفسه للغرق كما فعل سابقه ليهرب من هذا العبء ؟ و فعلا حاول الإنتحار و لكن النيل أعطاه درسا بليغا عبر إتجاه سريانه .إنه يسير للأمام لا نحو العمق . إنها رسالة الحياة .. نعم الحياة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق