للاديب نجيب محفوظ
رادوبيس هى الرواية
الثانية التى كتبها نجيب محفوظ بعد (عبث الأقدار) وهى واحدة من الروايات الثلاث التى
تستدعى القصص والأساطير المصرية القديمة . والتى تميزت بأبعاد
سياسية ، فقد ألقى "محفوظ" الضوء على الواقع المصرى المعاصر ، إذ تطرق فى
هذه الرواية لعلاقة الفرعون مع السلطة الدينية والزمنية ، وتفاعلاته مع العصيان الشعبى
فى إطار قصة علاقته الغرامية الغير شرعية مع "رادوبيس"
يظهر فى هذه الرواية
تطور نجيب محفوظ عما كتبه فى سابقتها وهذا يوضح أنه من بدايات الكاتب فهو حريص على
تطوير أسلوبه فى كل نص له . فالسرد فى (رادوبيس) غزير التفاصيل والشخصيات كثيرة ويتم
عرض دوافعها وتصرفاتها بطرق ذكية التى يعرض فيها محفوظ لشخصيات نمطية .
لا يرقّم محفوظ
الفصول فى نص رادوبيس هذه العادة التى حافظ عليها فى معظم أعماله اللاحقة ، ولكنه يعنون
كل فصل بوصف ما أو باسم إحدى الشخصيات ، وفى الحالة الأخيرة كان يستخدم اسم الشخصية
ليبدأ فصله بالتحدث عنها ويذكر كل المعلومات المهمة الممكنة ، ثم بعد ذلك يدفعها داخل
الحدث أو الحوار .
من البداية يتحدث
محفوظ عن الشارع المصرى فى الرواية كأنه الشارع المصرى الحديث ، بل أن حوارات الوجهاء
عن أمور السياسة فى (رادوبيس) تشبه الأحاديث السياسية فى الثلاثية مثلاً ، القارئ لا
يستطيع أن يمحو عصر الأربعينيات من ذهنه وهو يقرأ (رادوبيس) ، فصالون رادوبيس يشبه
فى جانب منه صالونات الأربعينيات ، ولفظ رئيس الوزراء ، وخلاف رئيس الوزراء (المحبوب
من الشعب) الدائم مع الملك ، كل هذه ليست سوى دلالات واسقاطات واضحة على عصر محفوظ.
الشخصيات الرئيسية
هى الملك مرنرع الثانى ، الملك الشاب القوى الذى لا يخلو من تهور وعناد وحب للنساء
سيؤثر عليه خلال سير القصة.
ثم مساعدا الملك
وهما كبير الحجاب صاحب الحكمة التى تنقصها القوة المرجوة ، ثم رئيس الحرس الملكى بقوته
الظاهرة التى لن تخلو من نزوة ستؤدى إلى كارثة. ثم زوجة الملك
المخلصة التى تُجرح فى كرامتها ومع ذلك تظل بجانب زوجها إلى النهاية.
وخنوم حتب رئيس
الوزراء وكبير الكهنة وهو الشخصية المقاومة التى تواجه الملك وتنتصر عليه.
أما بطلة الرواية
فهي رادوبيس الغانية التي تأسر قلوب الرجال بجمالها وفتنتها.
محفوظ أسقط كثير
من هذه التفاصيل ووضع تفاصيله الخاصة ، فهى عند محفوظ مصرية ريفية هربت مع عشيقها إلى
الجنوب حتى هجرها العشيق ، ثم استطاعت بجمالها أن تتزوج من كهل ثرى فأصبحت غنية بفضل
موته ، فأقامت صالون تستقبل فيه الضيوف وتسلم جسدها كل ليلة لرجل فيهم
تسير رواية محفوظ
فى خطين رئيسيين :
الخط الأول : هو
رغبة الملك فى استعادة الأراضى التى منحها أسلافه للكهنة ، هذه الأراضى التى يراها
الكهنة ورئيسهم (خنوم حتب) بمثابة حق لهم . الفرعون عنيد ويصر على استعادة الأراضى
ويفعل ذلك وسيدفع ثمنه ، نيتوقريس وسوفخاتب نصحاه بأن يستخدم الحكمة وأن يترك الأراضى
فى حين أن طاهو كان مع رأى الملك العنيد والمندفع ، ومال فرعون لرأى طاهو.
الخط الثانى :
وهو حب الفرعون لرادوبيس ، الذى بدأ بفعل الصدفة (وفقاً للأسطورة) بأن اختطف النسر
صندل رادوبيس ورماه عنده قدمى فرعون . عرف سوفخاتب أنه صندل رادوبيس ، ورغّب الملك
فى صاحبة الصندل ، فى حين أن طاهو ولسبب فى نفسه (سبب حبه لرادوبيس) حاول أن ينفّر
الملك من رادوبيس ووصفها بأنها ذات جمال رخيص.
ولكن فرعون مال
هذه المرة لرأى سوفخاتب ، وهذا بيّن ببساطة أنه ملك يسير حب أهوائه وأنه ملك عابث كما
صاح عنه الشعب فيما بعد
مع ظهور الفرعون
فى حياة رادوبيس تغيرت الأمور ، ولا شك فهى لن تستطيع أن تجعل الآخرين يشاركونه جسدها
، ولكنها احتفظت بحق افامتها فى قصرها.
من جهة أخرى فأمام
إصرار خنوم حتب على الإحتفاظ بأراضى الكهنة بل وتوسيط الملكة نيتوقريس فى ذلك ، وجد
الملك أنه من الأصح هو أن يعزله من منصبه ، ولم يكن يقدّر العواقب.الكهنة بدأوا يوغروا
صدر الشعب ضد الملك الذى يلهو مع رادوبيس فى قصر بيجة.
ولم يكن أحداً
من أبطال القصة وربما من القراء يحسب حساباً لطاهو الذى يشعر بالغيرة الشديدة من فرعون
حين أصبحت رادوبيس له وحده ، فيخون طاهو الملك بأن يساعد الكهنة على كشف مكيدة فرعون
الذى دبر مع رادوبيس استدعاء الجيش بحجة أن قبائل النوبة أعلنت العصيان ، هذا الذى
لم يحدث ، وبهدف حشد القوة للقضاء على الكهنة. كشف الكهنة ذلك
وسارعوا بعمل ثورة شعبية ضد الملك ، بل والمطالبة بجعل نيتوقريس ملكة على مصر.
انتهت الرواية
بنهايات مأساوية للملك الذى أصابه سهم رماه أحد الثائرين ، ولرادوبيس التى قتلت نفسها
بالسم . ولم يذكر محفوظ المصير الذى آلت إليه مصر بعد الثورة الشعبية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق